محمد أبو تريكه وعش جارف من الجماهير
لم يدر بخلد لاعب وسط المنتخب المصري والنادي الأهلي محمد أبو تريكة، أنه سيكون في يوم من الأيام قبل انتقاله للفريق الأحمر أشهر لاعبي مصر والوطن العربي علي مدار أربع سنوات لم يستطع أي من اللاعبين المصريين أو العرب أن يزحزحه عن هذه المكانة.
فمعلوم أنه بانتقال أي لاعب للأهلي أو الزمالك بأن الشهرة ستطارده بحكم أنهما الأكثر جماهيرية، لكن أن يصبح اللاعب الأشهر علي الإطلاق فهذا ما لم يتوقعه زيدان العرب، خاصة وأنه لم يسع لهذه الشهرة في يوم من الأيام.
ولم يكن مصدر هذه الشهرة هو المهارة التي يتمتع بها اللاعب، فالملاعب المصرية والعربية مليئة بمثل هذه المواهب، بل إن هناك الكثير من يتفوق عليه في هذا الجانب.
واعتقد أن السبب الرئيسي في هذا الحب الجارف من الجماهير للاعب والذي لم نعهد حبًا مثله إلا لمحمود الخطيب، هو ارتباط اللاعب في ذاكرة الجماهير بالأهداف المؤثرة التي يكون لها دور بارز في حسم الألقاب سواء للنادي الأهلي أو منتخب مصر.
فاللاعب لديه عادة مثيرة في انتزاع الفوز في اللحظات الأخيرة بطريقة درامية، ما يجعل الجماهير تتعلق به تعلقًا كبيرًا وتجعله معشوقها الأول.
ويبدو أن اللاعب يسير علي خطي قدوته ونائب رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي محمود الخطيب الذي كان يغيب عن الملاعب لفترة طويلة، وتتواري عنه الأنظار لكنه يأبي ذلك ويعود ليسجل أهداف درامية تضعه في بؤرة الاهتمام مرة أخري.
فرحة أبوتريكه بعد تسجيله ركلة الجزاء أمام ساحل العاج
فأبوتريكة اعتاد علي تسجيل مثل هذه الأهداف المثيرة وبطريقة درامية، والغريب أنها تأتي بعد فترة هبوط في مستوي اللاعب، لكنه بهذه الأهداف يعود ليكون بؤرة الاهتمام من الجماهير ووسائل الإعلام علي حد سواء.
فقد ساق القدر اللاعب ليكون هو صاحب ركلة الترجيح الأخيرة أمام ساحل العاج في بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2006 والتي استضافتها مصر، ليمنح مصر اللقب للمرة الرابعة في تاريخه والأولي في هذا القرن.
ومن منا لا يتذكر هدف اللاعب الأسطوري في مرمي الصفاقسي التونسي بنهائي دوري أبطال أفريقيا موسم 2006 علي استاد رادس، ورغم أن أبوتريكة كان أقل لاعبي الأهلي أداءً في هذه المباراة التي قدم فيها الأهلي مستوي مقنعاً إلا أنه بهدفه الرائع في الدقيقة 92 من عمر اللقاء بتسديدة بديعة بيسراه من علي حدود منطقة الجزاء ، ما اعتبره البعض الهدف الأغلي في تاريخ القلعة الحمراء،
ابو تريكه
وفي كأس العالم للأندية، جاء التركيز علي اللاعب من زاوية مختلفة، بعد ما أثير عن تعرضه لظلم من اللجنة المنظمة للبطولة التي أخبرته بأنه تم اختياره ليكون أفضل ثالث لاعب بالبطولة وسينال الحذاء البرونزي، بيد أن تغلب انتر ناسيونالي البرازيلي المفاجئ علي برشلونة وفوزه باللقب استبعد اللاعب ليتم منح البرازيلي رونالدينيو الجائزة كأفضل ثالث لاعب بالبطولة لاعتبارات تجارية بحتة رأتها الشركة الراعية للبطولة.
وفي موسم 2007 قضي اللاعب معظم الموسم مصابًا، لكن جاءت عودته للملاعب مع نهائي كأس مصر أمام الزمالك، وأنقذ فريقه من الهزيمة بعدما سجل الهدف الثاني للأهلي قبل نهاية اللقاء بدقيقتين ليفرض الوقت الإضافي علي اللقاء قبل أن يمرر تمريرتين ذهبيتين سجل منها فريقه الهدفين الثالث والرابع ليفوز فريقه باللقب ويكون هو النجم الذهبي للفريق الأحمر.
وقبل انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية الأخيرة بغانا كان اللاعب بعيداًَ عن مستواه لإصابة تعرض لها قبل البطولة وهو ما جعل المدير الفني حسن شحاته يحتفظ به إلي جانبه علي دكة البدلاء ويقوم محمد زيدان بدوره في الملعب ليبدع الأخير ويقود مصر لفوز تاريخي علي الكاميرون بأربعة أهداف مقابل هدفين كان نصيب اللاعب منها هدفين رائعين.
محمد أبو تريكه ورفع شعار تضامنا مع غزة
ولكن القدر أبي الا أن يحفظ لأبوتريكة مكانته كنجم أول لهذا الفريق، فمبجرد نزوله إلي أرض الملعب كبديل في المباراة التالية أمام السودان وتسجيله لهدفين رائعين بالإضافة إلي رفعه شعار "تعاطفًا مع غزة" جعله يحجز مكاناً كبيراً في قلوب كل العرب وخاصة الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني ويلات الاضطهاد والقمع من جيش (الكيان الصهيوني)
وبعد هذه المباراة، أصبح اللاعب في التشكيلة الأساسية للفريق في باقي مبارياته أثناء البطولة ، ليجئ دوره الذي بات ينتظره منه زملاؤه في الملعب قبل الجماهير، في المباراة النهائية للبطولة وتنشق الأرض عنه ليضع تمريرة زميله محمد زيدان في مرمي كارلوس كاميني ويجئ الفوز باللقب علي يديه" كالعادة".
ويصاب اللاعب بعد البطولة ويبتعد عن الملاعب لفترة قاربت الأربعة أشهر، ومنذ عودته إلي اللعب لم يظهر اللاعب بمستواه المعهود والمعروف عنه، حتى أن مانويل جوزيه لم يبدأ به أي مباراة، ولعب كبديل في كل المباريات، لكن اللاعب لاينس اللحظات السعيدة التي اعتادها الجمهور منه وتنشق الأرض عنه ويسجل هدفًا قاتلا للأهلي في مباراته أمام ديناموز هراري الزيمبابوي ببطولة أفريقيا ما منح فريقه صدارة المجموعة الأولي برصيد 7 نقاط وأصبح قريباً من بلوغ الدور نصف نهائي رغم ضعف مستوي الفريق الغير خافي علي كل متابع.
من هنا استحق اللاعب لقب ملك اللحظات السعيدة، فأصبح هو الذي يرسم البسمة علي شفاه الجماهير وسط ما يعانونه من ظروف صعبة علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي.
محمد أبوتريكة يسجدا شكراً لله
ويستحق اللاعب هذه الشهرة العريضة لأنه منذ احترافه لكرة القدم اتخذها وسيلة ليكون قدوة للشباب، فقد عرف عنه تدينه الشديد ومحافظته على أداء الصلاة في أوقاتها، وفي العام الماضي أذاعت إحدى القنوات المصرية لقطة مسجلة للاعب الذي ترك اللقاء الذي كان يجريه لأداء الصلاة بعد سماعه للآذان.
كما أن اللاعب يعتبر شهرته الواسعة تمكين من الله له في الأرض، لهذا يلعب دوراً إنسانيًا واجتماعياً حيث يرى أن الرياضة لها دور في مساعدة الفقراء والمحتاجين.
يقول أبو تريكة: كل لاعب رياضي له رسالة إنسانية إزاء مجتمعه، فهو لا يعيش لنفسه، بل يعيش للآخرين، أحب أن أشارك في عمل الخير وأحاول جاهداً أن ألبي طلبات الفقراء والمحتاجين، كما أنني أسعى إلى أن أوظف الكرة في الأعمال الإنسانية أيضاً.
وأضاف"كل إنسان هو قدوة للغير، والقدوة ليست بالكلام، بل بالفعل حتى يثق الناس بك ويحذو حذوك، إنني أشارك في عدة أعمال إنسانية.
ويرى أبو تريكة أن الفقر سلاح ذو حدين حيث يمكنه أن يولد حالة من اليأس، أو أن يتحلى الفقير بالصبر والعزيمة، ويتمنى أبوتريكة أن يتحلى كل شخص يعاني من اليأس بالصبر والعزيمة للمضي قدمًا في حياته ومواجهة الصعاب.
ويري أبو تريكة أن الإسلام يعالج الفقر من خلال الزكاة لأن الغني يشعر بمحنة الفقراء. ويجب علينا أن نساعد الفقراء بقدر الإمكان حتى لا يشعروا بالغربة في المجتمع.
ومن هذا المنطلق، في عام 2005 انضم أبو تريكة إلى اللاعب البرازيلي رونالدو واللاعب الفرنسي الجزائري الأصل زين الدين زيدان إضافة إلى 40 من نجوم الكرة العالمية في “مباراة ضد الفقر” من أجل جمع التبرعات والتوعية بمحاربة الفقر في شتى أنحاء العالم.
أبوتريكة وأطفال فلسطين
وقال أبو تريكة" في هذه المباراة الإنسانية قالت الرياضة في صوت واحد "لا للفقر" حيث وقفنا يداً واحدة من أجل أن تبذل الجهود لنهزم الفقر دون رجعة.
وفي الإطار نفسه، تطوع أيضاً محمد أبو تريكة في مساعدة برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة في تصوير إعلان إنساني تلفزيوني مدته ثلاثون ثانية يركز على مأساة وفاة حوالي 25 ألف شخص يومياً من الجوع، منهم 18 ألف طفل قائلاً: من أجل أن نربح يجب أن نتحرك بسرعة وأن يساعد بعضنا البعض لأن كل ثانية تؤثر. وكل خمس ثوانٍ يموت طفل بسبب الجوع.. دا ماتش لازم نكسبه.
ويعلق أبو تريكة على هذا الإعلان الإنساني قائلاً: إنه انتابه إحساس أثناء تصوير الإعلان برغبة عارمة في مساعدة هؤلاء المحتاجين بقدر الإمكان، كما أعرب عن استعداده التام لزيارة أي بلد أفريقي ليوجه رسالة إلى بقية نجوم الرياضة عن محنة ومعاناة ملايين الأشخاص من الفقر والجوع.
ابو تريكه وفرحة بعد هدف الكاميرون
وعن قدوته في الحياة، يقول أبو تريكة: إنه يقتدي بالرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم) في حياته كمثله الأعلى في الحياة، ثم والده الذي تعب في تعليمه وتربيته ليصبح بهذه المكانة.
وعلى مستوى الرياضة المحلية، فهو يحتذي حذو نجم الكرة المصرية السابق محمود الخطيب، ونجم الكرة الفرنسية زين الدين زيدان.
وعن سبب اختيار الرقم الذي يلعب به ألا وهو 22 قال أبو تريكة: عندما انضممت إلى صفوف النادي كان هناك رقمان هو 21 و22 وقبل أن أقرر أي رقم اختاره، كنت قد قمت بعمرة، وفي أثناء الطواف بين الصفا والمروة رأيت رقم البوابة التي كان يمر منها رسول الله ورقمها 22 لذا قررت أن اختار هذا الرقم حتى يكون فألاً طيباً في حياتي.